أضيف في 4 يوليوز 2017 الساعة 17:36

محمد بدازي في قراءة لكتاب '' الخطاب الغربي حول الإسلام السياسي''


نص المداخلة التي شارك بها الطالب "محمد بدازي" خلال نشاط قراءة في كتاب، وذلك يوم الأحد 27 دجنبر 2015، والتي كان موعدنا فيها هذه المرة مع قراءة في كتاب: الخطاب الغربي حول الإسلام السياسي" لمؤلفه الكاتب الصحفي والمترجم "محمد جليد"

صدر مؤخراً عن منشورات الزمن، كتاب  "الخطاب الغربي حول الإسلام السياسي" للكاتب الإعلامي محمد جليد. وقد تناول الكاتبُ، نماذج من "الخطاب الغربي حول الإسلام السياسي" وكذا، موقف الأخير، أي الإسلام السياسي، من قضايا خلافية مثل؛ الديمقراطية، العلمانية، حقوق الإنسان، ووضع المرأة، الخ.

علاوةً على موقف الإسلام السياسي أو الحركي من الأمور الخلافية المذكورة فوق، يجدُ القارئُ إشارة من الكاتب، وإن بطريقةٍ غير مباشرة، إلى قضايا أخرى لا تنقشعُ للقارئِ من الوهلةِ الأولى. ولأننا لا نقتنع بما تصرح به الكتب علناً، ارتأينا الوقوف عند قضيتينِ غير مصرَّح بهما مباشرة.

تتعقل القضية الأولى، بتشكل الإسلام الحركي عبر التاريخ، وتفاعل الغرب، إعلاما، وأكاديمياً، وجمهوراً... مع هذا الإسلام الحركي. وكذا، الفرق بين الإسلام، بعده دينا وممارسة عقدية، وبين الإسلام السياسي، باعتباره مجموعة من الحركات الإسلامية التي تتغيى تطبيق الشريعة الإسلامية بشتى الطرق (=الاغتيال، الإرهاب). أما القضية الثانية، فتخص ارتباط الدين الإسلامي، في نظر الغرب، بالعنف والإرهاب، وأسباب هذا الارتباط. ثم هل لحركات الإسلام السياسي دور في هذا الأمر.

أ/ كيف تشكل الإسلام السياسي عبر التاريخ؟

يُعد الإسلام السياسي اليوم، في نظر الغرب، أخطر الحركات الراديكالية في العالم كله. وأكثرُها انتشاراً في العالم. إذ تنتشرُ هذه الحركات - كما يقول محمد جليد - "في جنوب شرق آسيا وأوربا وشمال أفريقيا، دون أن ننسى بقية دول العالم العربي والفارسي في الخليج والشرق الأوسط". (ص107) وتتحدد غايات هذه الحركات الإسلامية، بين رغبتها في تغيير أو قلب الأنظمة السياسية المحلية، بتعلة أنها لا تطبق الشريعة الإسلامية، وبين رغبتها في استئصال الهيمنة العسكرية، والاقتصادية، والثقافية، للغرب "الشيطان والكافر". والذي كان سبباً، في نظر هذه الحركات، في سقوط الخلافة الإسلامية.

واليوم، نشاهد بعض الحركات الإسلامية التي لم يعد دورها يقتصر على معارضة النظام، إنما "أضحت تساهم في إدارة دفة الحكم، مثل حركة الإخوان المسلمين في مصر، وحزب الله في لبنان، وجيش المهدي في العراق" (القول للخبير السوري بسام طيبي، ص 108 من الكتاب)

 لقد نشأت بعض حركات الإسلام السياسي، عندما تشكل وعيٌ لدى مجموعة من الناس، بعدم الرضا عن نمط عيش المجتمع الذي تحيا فيه، سواء على المستوى الاجتماعي، أو الاقتصادي، وخاصة المستوى السياسي، الذي تراه هذه الحركات، لا يمتثل للشريعة الإسلامية في حكمِه. من هنا، تشكل نفر من الناس، متشبع بأفكار ابن تيمية، حسن البنا، سيد قطب، المودودي، الخ، لتشكيل جماعةٍ، غدت فيما بعد تنظيم سياسي، يعارض الدولة في عديد الأمور، أو قد يغدو فيما بعد مساهما في تسيير شؤون الأمة. (=نموذج العدالة والتنمية في المغرب، حركة الإخوان المسلمين في مصر)

في هذا السياق، يقول صاحب الكتاب بما فحواه، إنه ظهرت قبل انهيار المعسكر السوفييتي، مجموعة من التنظيمات الإسلامية في كل من الجزائر، باكستان، إندونيسيا، وماليزيا، الخ، من أجل الضغط على الدولة لتطبيق الشريعة الإسلامية؛ كأن تلتزم – مثلا ً- النساء بلباس معين، وكذا، التَّقَيُّد بالنص القرآني حرفياً. (ص24) وعليه، فإن هذه الحركات الإسلامية، تحاول، حسب كارل براون، "تكييف السياسة والإدارة مع مقتضيات الإسلام" (ص41) وغير هذا، فإنه انحرافٌ عن الشريعةِ الإسلامية.

بهذا المعنى، فإن الحركات الإسلامية، تشكلت من أجل معارضة نظام الدولة غير الممتثل للشريعة الإسلامية، ومن أجل كذلك، "استئصال مظاهر الهيمنة الغربية العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية". (ص41) إذ ظهر هذا الوعي، أي ضرورة محاربة العدو الغربي "الكافر والشيطان"، منذ نكبة العرب عام 1948، ثم النكسة سنة 1967، بالإضافة إلى اجتياح الجيش الإسرائيلي، لشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان، والأراضي الفلسطينية، الخ. بحيث حَمَّلت مجموعة من الحركات الإسلامية قادة العرب، مسؤولية هذه الهزائم، إما لأنهم تحالفوا مع الغرب (=تحالف العربية السعودية مع أمريكا من أجل قصف العراق) وإما تقاعسوا في تطبيق الشريعة الإسلامية.

لقد كان إذن، للانتكاسات التي عرفها المسلمون في فلسطين، وكشمير، والبوسنة، الهرسك، كوسوفو، والشيشان، والفلبين، وقبرص، الخ، وقع سلبي على نفوس المسلمين، وهو الأمر الذي تمخض عنه ظهور جماعات إسلامية تسعى إلى محاربة العدوي الغربي الكافر. هنا، نشير إلى تنظيم القاعدة مع أسامة بن لادن، الذي يقول عنه "مغناد ديساي" إنه لفهم هذا التنظيم، يجب العودة "إلى سنة 1979 حينما أطاحت الثورة الخمينية بشاه إيران، وأخذت دبلوماسيين في السفارة الأمريكية بطهران رهائن". (ص21) مثلما نشير كذلك، إلى حركة المقاومة الإسلامية (=حماس) في لبنان، وإلى الحركة التي حشدها آية الله الخميني ضد شاه إيران، الخ.

علاوة على ما تقدم، ودائما بصدد تشكل حركات الإسلام السياسي، يرى "جزيف كوستينز"، أن أحداث حرب الخليج كانت سببا في بروز بعض الحركات الإسلامية، يجملها في ثلاثة توجهات:

يتكون "التوجه الأول من الفقهاء الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم اسم الصحوة الإسلامية" (ص110)، وقد  زاوج الأخير، بين تعاليم الوهابية، والأفكار السياسية لحركة الإخوان المسلمين. كما نشأ توجهٌ ثانٍ في منطقة الجوف القريبة من الحدود الأردنية والعراق. وقد تحرك هذا التوجه نتيجة، "تقاعس حكام العرب عن تقديم الدعم اللازم للانتفاضة الفلسطينية". (ص111) أما التوجه الثالث، فيتمثل في تنظيم القاعدة الذي تشكل أساسا من المجاهدين الذين عادوا من أفغانستان، تحت إشراف اليمني أسامة بن لادن. (انظر ص 110، 111، 112، 113 من الكتاب)

في الأخير، نشير أن الحركات الإسلامية تظهر، كما يرى "غراهام فولر"، "عندما تعم الفوضى والاختلال والشكوك والأزمة في دولة معينة". وهذا ما حصل مع "داعش" اليوم، إذ برز في جوٍ الفوضى والاختلال الأمني الذي عاشته دول العراق، سوريا، ولاحقا ليبيا.

ب/ لماذا يرتبط الإسلام، في نظر الغرب، بالعنف؟

إن ربط الإسلام بالعنف، حسب الباحثة البريطانية "بيفيرلي إدواردز"، عائدٌ بالأساسِ إلى "العمليات الإرهابية التي ارتكبها تنظيم القاعدة، وكذا العمليات الانتحارية في العراق وباقي البلدان العربية والإسلامية وبعض البلدان الغربية مثل واشنطن ونيويورك ومدريد..." (ص106) بالإضافة إلى كتابات رجال الإعلام وبعض المثقفين، وكذا خطابات رجال السياسة الغربيين كما سنبين ذلك لاحقاً. من هنا، تستنتج الكاتبة البريطانية، أنه تم، عن وعي أو بدونه، "ربط الإرهاب بالدين الإسلامي".

انطلاقاً من ما قالته، الكاتبة البريطانية، وبالإضافة إلى أراء كتاب وصحفيين وقف عندهم صاحب الكتاب، سوف نقف عند أربعة عوامل، جعلت الغرب يربط الإسلام بالعنف والإرهاب.

العامل الأول، يمكن إرجاعه للأحداث التي شهدتها الدول العربية-الإسلامية على امتداد عشرين سنة، ونقصد هنا بالخصوص "الثورة الإيرانية واختطاف رهائن من السفارة الأمريكية، واغتيال أنور السادات وقضية الرهائن في لبنان، والحكم على سلمان رشدي بالإعدام، والحرب الأهلية في الجزائر، والصراع الأفغاني، والهجمات الإرهابية المختلفة...الخ".(ص62) كل هذه الأحداث وغيرها، جعلت الغربيين ينظرون إلى الإسلام، كما تؤكد "جوسلين سيزاري"، "باعتباره خطرا يهدد العلاقات الدولية، خطرا حل محل الشيوعية".(ص62)

بيد أن أحداث 11 شتنبر، التي تبناها تنظيم القاعدة، شكلت لوحدها أهم العوامل في ترسيخ الصورة الأقنومية عن الإسلام، أي بعده دين العنف وسفك. إذ مباشرة بعد هذه الأحداث، تيقن الغرب، أن "العنف الإسلامي" قادر على اختراق الحدود الجغرافية حتى لأعرق وأقوى الدول العالمية، نقصد هنا، الولايات المتحدة الأمريكية التي فُجر فيها مركز برجي التجارة ومركز البينتاغون.

لقد شكلت إذن تفجيرات نيويورك وواشنطن عاملا، ترسخت معه علاقة الإسلام بالعنف. لكن، هذه الصورة، ستزداد رسوخا في ذهنية الإنسان الغربي مع عاملٍ ثالثٍ، إذ خرج ساعتئذٍ، ثلة من الإعلاميين والكتاب، لكتابة مقالات صحفية وأكاديمية، تصف الإسلام بأنه دين عنف وإرهاب. كتابات أعادت إلى الأذهان ما كتبه سلفا العديد من المستشرقين، الذين ألفوا روايات ومسرحيات، حبلى بالأفكار المغلوطة، والتعبيرات العنصرية عن الإسلام والمسلمين.

في هذا الصدد، نجد "محمد جليد" يقول في تعليقٍ له عن ما قالته المستشرقة "جوسلين سيزاري"، إن "الإعلام الغربي يقدم رؤية أحادية الجانب تستغل غموض الصور والمفاهيم، وتشجع الصور النمطية التي تربط بين الإسلام والعنف والتطرف، والتي تعتم كل الخصائص المضيئة في العالم الإسلامي، حيث تتعدى معرفة المواطن الأمريكي والأوروبي للإسلام ما تقذف به قنوات الأخبار كل صباح ومساء عن الأحداث الجارية في إيران، أو الجزائر، أو أفغانستان، أو مصر، الخ". (ص61) من هذا المنطلق، فإنه لأمر طبيعي أن يربط المواطن الأمريكي، ومعه الأوربي، الإسلام  بالعنف والقتل.

لقد كان لتلك المقالات والكتب صدى سلبيا في العلاقة بين الغرب والإسلام، إذ عملت على شيطنة وتأجيج الصراع بين العالمين الغربي والشرقي على حد تعبير "محمد جليد"؛  هذه الكتابات إن دلت في نظرنا، على شيء،  فإنها تدل على أن مسألة محاربة السامية لم تختفي بعد، وإن حاولت غير ما مرة الاختفاء وراء بعد المساعدات الإنسانية، أو دعم القضية الفسطينية.

في الأخير، يبقى أن نشير إلى عامل رابعٍ يتجلى في الخطابات الدينية والسياسية المعادية للإسلام والمسلمين. ذلك أنه بعد أحداث 11 شتنبر، خرج عدد من المتشددين الإنجيليين يهاجمون الإسلام، وقد "ذهبوا شأوا في هجومهم، إلى حد اعتبار الإسلام معارضا للمسيحية". (ص70) إذ يركز هؤلاء في خطاباتهم على الاختلاف الحاصل بين الدين المسيحي والدين الإسلامي، قائلين – مثلا - إن إله الإسلام يختلف عن إله المسيحية واليهودية، وأن الدين الإسلامي هو دين عنف.

في هذا السياق، تورد "جوسلين سيزاري" نتائج استطلاع تفيد "أن 77 في المائة من زعماء الإنجيليين المسيحيين يكونون صورة سلبية عن الإسلام، ويعتبرونه دين عنف". (ص70) مما أدى إلى تشكل نوع من الخوف عند الإنسان الغربي من الإسلام. إلى جانب هذا الخطاب الإنجيلي المتشدد، يشير محمد جليد، إلى ساسة من أعلى الهرم، يصرحون بأقوال تجسد الصورة النمطية عن الإسلام، أي بعده دين عنف وإرهاب، حيث صرح – مثلا - الجنرال الأمريكي "وليام بويكين" قائلا إن "الوضعية السياسية الراهنة هي وضعية حرب دينية: حرب العالم المسيحي ضد الإسلام الوثني". (ص71)

صفوة القول، لقد صار الإسلام اليوم نتيجة لكل ما تقدم، رديفاً للإرهاب والعنف، بل صار "الإرهاب الإسلامي" أكبر خطر في العصر الحديث! وهو الأمر الذي دفع كبريات الدول لتحمل عتادها العسكري وتتجه نحو الشرق الأوسط بجريرة محاربة الإرهاب! بيد أن السؤال المطروح ها هنا؛ هل يكفي السلاح لاستئصال هذا الورم؟ ألم يكن حريا بالذين نصبوا أنفسهم لمحاربة الإرهاب فهم، ودراسة، وتحليل، الإرهاب أولا، بذل ما فُعل؟

 

 



شاركو بتعليقاتكم
*المرجو ملئ جميع الخانات و الحقول الإلزامية المشار إليها بـ

* الإسم
* عنوان التعليق
* الدولة
* التعليق




شاهد أيضا