أضيف في 3 يونيو 2018 الساعة 16:55

القنوات التلفزية المغربية..عناصر القوة والضعف


  احتضنت دار الثقافة المدينة القديمة يوم السبت 26 ماي 2018 مائدة مستديرة تحت عنوان: "القنوات التلفزية المغربية..عناصر القوة والضعف"، نظمها مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية – مدى بشراكة مع مسلك الصحافة والإعلام - كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، برئاسة الأستاذ عبد الرزاق بلال، أستاذ تحليل الخطاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال ومشاركة ثلة من الفاعلين والأساتذة الباحثين.

  افتتح اللقاء بكلمة قدمها كل من الأستاذ محمد سعيد عضو المكتب التنفيذي لمركز مدى، والأستاذ حسن حبيبي رئيس مسلك الصحافة والإعلام بكلية عين الشق، اللذان عبرا عن أهمية التنظيم المشترك لهذا اللقاء باعتباره خطوة أولى نحو شراكة فاعلة ومؤسسة بين المركز ومسلك الصحافة والإعلام.


  وفي معرض مداخلته، أكد الأستاذ حسن حبيبي بأن النقاش حول التلفزة العمومية مهم جدا ويدخل في صلب اهتمامات الجميع، وهو ما يظهر بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي والمقالات الصحفية. حسب الأستاذ حسن، التلفزة ليست مجرد تنظيم تقني فقط، بل تتأسس على فلسفة "العمومية"؛ أي الرابط الاجتماعي، عبر ربط العلاقة مع الجمهور المتعدد والمتنوع. ليتساءل بعد ذلك حول مدى نجاح التلفزة العمومية المغربية في تحقيق مسعى الترابط الاجتماعي، وعدم هدر المال العام في إنتاجات وبرامج أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تروج للعنف وتفتقد لأبسط القيم التربوية. ويشير رئيس مسلك الصحافة والإعلام إلى أن الصوت الذي يُسمع عبر التلفزيون هو صوت المُعلِن، الذي يسهم في رسم معالم السياسات الاقتصادية والفنية والثقافية لنا. وإذا ما كانت التربية والثقافة تراهنان على الإنسان كتطور وتحول، فالتلفزة المغربية تراهن على المغربي كطبيعة أي كمادة للاستهلاك عبر التركيز على غرائزه الطبيعية واستغلال أبطال وبطلات المسلسلات التركية في الإعلانات التلفزيونية. ويضيف أن هذه المسلسلات المدبلجة باللغة العربية المغربية، التي تعرف تبلغ نسبة ستة ملايين مشاهد، قد أحدثت تشويشا في أسرنا المغربية وفي تمثلاتنا الجمعية على مجموعة من المقاييس أبرازها مقاييس الجمال. واستعمال اللغة العربية المغربية في هذه المسلسلات تتجلى خطورته في استعمال لغة تخاطب الجانب النفسي، المشاعري، الديني، والهوياتي للمواطن المغربي.


  في مداخلة ثانية، ترى الأستاذة حياة الدرعي، مديرة مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية – مدى، أن نشأة الإعلام في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية جاء في إطار تحولات اقتصادية تتجلى في الثورة الصناعية وما أفرزته من أنماط جديدة للإنتاج والاستهلاك، وتحولات سياسية تتجلى في اتساع هامش الحريات الفردية والجماعية، والدعايات الحزبية والإيديولوجية أثناء الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي. وفي نفس السياق، أوضحت الأستاذة حياة أن التلفزة المغربية لم تمر من تجربة مماثلة، والمجتمع المغربي بدوره لم يمر من السيرورة السياسية، الثقافية والاقتصادية كالتي عرفتها المجتمعات الغربية. وعلى غرار بلدان العالم الثالث، المغرب أخذ التلفزة، ولم يأخذ سياقها التاريخي؛ أي أخذ الشكل ولم يأخذ العمق. وأكدت مديرة مركز مدى، أن التلفزة المغربية تنشر التفاهة والثقافة التسطيحية. ودعت في نهاية مداخلتها إلى ضرورة وضع استراتيجية واضحة تعتبر "التلفزة" فضاء عموميا تطرح فيه كل الإشكالات التي يبحث المواطن لها عن إجابات.


   استهل الأستاذ منير بن رحال مداخلته "الأعمال الدرامية على القنوات المغربية خلال شهر رمضان: حضور الشكل وغياب المضامين"، بتحديد مفهوم "الدراما" انطلاقا من منظورين: منظور أفلاطون الذي يعتبر الدراما محاكاة حرفية للطبيعة باعتبارها المثل الأعلى، ومنظور أرسطو الذي يدعوا إلى أن نرقى بهذه المحاكاة إلى الأفضل، وبالتالي فالعمل الدرامي ينبني على:

-          الحدث لا السرد كما نراه في الإنتاجات الدرامية المغربية.

-         اللغة راقية لا لغة الشارع.

-         الاحتراف في العرض والأداء.

  واستقى الأستاذ منير أثناء مداخلته نموذجين من الإنتاجات الرمضانية لهذه السنة، مسلسل "فوق السحاب" وسلسلة "سوحليفة"، وأبرز أن النموذج الأول مهم على مستوى القصة والحبكة الدرامية والإخراج، إلا أنه يعرض في منتصف الليل، بينما النموذج الثاني "حامض" ومبتذل لكنه يعرض وقت الإفطار، ويعرف نسبة مشاهدة كبيرة تبلغ ثلاثة ملايين مشاهد وكأن العملية مقصودة. وفي آخر المداخلة، تأسف الأستاذ منير عن الشح الذي تعرفه الإنتاجات التاريخية وغياب رؤية إعلامية واضحة للحفاظ الهوية الثقافية للمجتمع.


  وفي المداخلة الأخيرة، قدمت الأستاذة سارة ماموني علوي، طالبة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، ورقة بعنوان: "وضعية الإعلام العمومي السمعي البصري بالمغرب نموذج القناة الثانية" تناولت من خلالها دور وسائل الإعلام بشكل عام والسمعية البصرية بشكل خاص. وأضافت الأستاذة سارة أن القطاع السمعي البصري بالمغرب يعيش أزمة عميقة ومتشعبة رغم أن فرص الخروج منها كانت متاحة سنة 2002 بإصدار المرسومين: 77.03 القاضي بتأسيس بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، و2-02-663 الذي يقضي بوضع حد لاحتكار الدولة في مجال البث الإذاعي. وتعود عوامل هذه الأزمة إلى: الخضوع للسلطة التنفيذية (الحكومة)، ضعف المنافسة الداخلية والخارجية، غياب إعلام القرب ومحاكاته للقطاع الخاص في البحث عن الربح دون إدراك الفاعلين في التلفزيون العمومي أن من أولوياتهم الاستجابة لحاجيات وتطلعات المواطنين من خلال فلسفة إعلامية تقوم على التنوع، الاستقلالية، التعدد الثقافي والفكري وكذا اللغوي، مما يسهم في خلق نقاش عمومي يساعد في بلورة سياسات عمومية تتلاءم مع متطلبات المجتمع. وبالعودة إلى نموذج القناة الثانية 2M، نجد أنها قد أصبحت مكونا من مكونات القطب العمومي رغم أنه كان من المفترض أن تكون قوة إعلامية ضاربة وطنيا، إقليميا ودوليا بحكم الأهداف التي كانت مرسومة لها فيما قبل، إذا ما عدنا إلى حيثيات التأسيس المرتبطة بملف ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم 1994. وترى الباحثة أن هذا النموذج يجعلنا أمام ضرورة العودة إلى تحديد مفهوم الخدمة العمومية في القطاع السمعي البصري، مستدلة بتعريف "باتريك باديون"، المتخصص في علم الاجتماع الإعلامي بجنيف، الذي يعرف الخدمة العمومية في القطاع السمعي البصري بـ: فعل تسيير الممتلكات العامة والاستجابة لأولويات المتلقي وفق مبادئ ومعايير محددة والتي أجملتها اللجنة المستقلة للتلفزيون التابعة للاتحاد الأوروبي في:

-         تنويع البرامج لتلبية الأذواق والاهتمامات.

-         الحرص على الإنتاج التقني الرفيع.

-         بث الأقليات اللغوية والثقافية والاجتماعية.

-         الأخذ بعين الاعتبار المصالح الإقليمية ومصالح المجتمع.

-         التأكيد على الهوية الوطنية.

-         الحرص على الاستقلالية والنزاهة.

-         تحديد عدد الشرائح الإعلانية، سبع دقائق في اليوم لكل مستشهر.

  وترى الأستاذة سارة أن هذه المعايير وحدها كافية لأن نتأكد من أن القطاع السمعي البصري العمومي المغربي بعيد عن المهنية والخدمة العمومية، واللتان لا يمكن تحقيقهما إلا بوجود إرادة سياسية حقيقية تسمح بتوسيع رقعة الاستقلالية، الحرية والانفتاح على النماذج الدولية الناجحة.


 



شاركو بتعليقاتكم
*المرجو ملئ جميع الخانات و الحقول الإلزامية المشار إليها بـ

* الإسم
* عنوان التعليق
* الدولة
* التعليق




شاهد أيضا