أضيف في 6 ماي 2018 الساعة 15:06

''النقد المزدوج'' في ''إضاءات حول مشاريع فكرية مغربية''


صورة من اللقاء

نظم مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية –مدى، يوم السبت 28 أبريل 2018 اللقاء الأول في إطار الدورة الثالثة من مشروع "إضاءات حول مشاريع فكرية مغربية". عرفت بداية اللقاء تقديم كلمة افتتاحية من طرف منسق المشروع الأستاذ "زكرياء أكضيض" الذي تحدث عن الدورات السابقة واللقاءات التي تمت في إطارها، كما أشار إلى سياق اختيار الراحل "عبدالكبير الخطيبي" عنوانا للدورة الثالثة، ورهان مركز مدى من خلال مشروع "إضاءات".


في كلمة ثانية خلال هذا اللقاء، أشارت مديرة مركز مدى، الأستاذة "حياة الدرعي" إلى أن مشروع "إضاءات" قد استطاع ملامسة كتابات الشباب حول المفكرين المغاربة، وبهذا يكون الرهان من وراء إطلاق مشروع إضاءات قد تحقق، حيث كان الهدف هو التعرف على تفاعل الباحثين الشباب مع المشاريع الفكرية لكبار المفكرين بالمغرب، كما أن هذا المشروع يجعلنا نفتخر بشباب كلهم حماس ولا ينتظرون مقابلا ماديا تجاه إنتاجاتهم، ومن هنا يأتي تأكيد مركز مدى على أن الثقافة في حاجة إلى "اللامقابل" لضمان الاستقلالية، ذلك أن "منطق السوق" أضاع علينا الكثير من القيم.


تميز اللقاء الأول  من الدورة الثالثة لمشروع "إضاءات حول مشاريع فكرية مغربية" والمخصصة لتدارس المنتج الفكري للسوسيولوجي الراحل "عبدالكبير الخطيبي"، تميز اللقاء، بتسيير الأستاذ "مراد الخطيبي" ابن أخ الراحل والمهتم بفكره دراسة ومتابعة وترجمة، وقد خصص هذا اللقاء لقراءة كتاب "النقد المزدوج"، وقد تحدث الأستاذ "مراد" عن الخطيبي باعتباره "واحدا من الرموز الفكرية لهذا البلد، فهو شاعر وأديب ومفكر متعدد، حصل على الدكتوراه في السوربون متخصصا في السوسيولوجيا ولكنه مهتم أكثر بالسيميائية"، تحدث عنه "رولان بارط" قائلا: "إنني والخطيبي نهتم بنفس الأشياء، بالصورة والأدلة والآثار والحروف والعلامات، وفي الوقت نفسه يعلمني الخطيبي جديدا يخلخل معرفتي..."، كما تحدث عنه "جاك ديريدا" بالقول: "إنه يجمع بين التقاليد والمعاصرة"، كما أشار الأستاذ مراد الخطيبي إلى أن هناك شهادات كثيرة من مفكرين غربيين تشهد بأنهم مدينون لفكره الخلاق ومنهجيته العلمية.


لقد اختلق الخطيبي –حسب الأستاذ مراد- آلية جديدة وهي "النقد المزدوج"، وموضوع هذا اللقاء هو قراءة في هذا المفهوم.

المداخلة الأولى في قراءة لكتاب "النقد المزدوج" كانت للأستاذ "حوسى أزارو" المتخصص في علم الاجتماع والفكر الإسلامي، الذي أكد في بداية مداخلته على أنه "يحق للمغاربة أن يفتخروا بأنفسهم من خلال الخطيبي، فمن خلال الخطيبي نكتشف أن هناك وجها آخر للمعرفة"، وبالعودة إلى لحظة تاريخية تتعلق بولادة السوسيولوجيا بالمغرب، فقد استطاع "الخطيبي" أن يقدمها في صورة مغايرة. لقد مارس الخطيبي السوسيولوجيا بالاستناد إلى القلق المعرفي دون الارتكان إلى السوسيولوجيا السعيدة.


تطرق الأستاذ "أزارو" إلى المفاهيم التي أطرت كتاب النقد المزدوج، ومنها "العالم العربي"، "الفلسفة الماركسية"، "نمط الانتاج الأسيوي"...

إن النقد المزدوج –حسب أزارو" ، قطيعة عنيفة وليس مجرد فحص مهادن للأطر المحددة للصراع المجتمعي. نقد ينبني على اليقظة الإبيستيمولوجية للذات إزاء الشروط المؤسسة للمعرفة ولسياقها الثقافي والتاريخي والنظريات الصادرة عنها، لأجل أن نتمكن من تخطي الصورة الضيقة المشكّلة عن الذات والغير معا، وفق رؤية استراتيجيّة متعدد الأبعاد، يتخذ خلالها النقد العديد من الدلالات والملامح الموجبة والسالبة.

المداخلة الثانية خلال هذا اللقاء، كانت للأستاذ "البشير البونوحي"، انطلقت من أن معرفة الخطيبي تكون من خلال كتاباته التي حاول من خلالها الاقتراب من السر الذي أوصل الغرب إلى الهيمنة الحالية، بينما العرب كانوا سكارى اللاهوت. لقد كان الخطيبي بين مفارقتين:

1-الآخر بالنسبة لنا مختلف وسكان الأرض في مواجهة الآخرين من خلال الازدواجية "الأنا والآخر".

2-انتقاده لمحاولة الابتعاد عن الآخر، فأوروبا تسكن في كياننا.

إن تراجع العرب راجع إلى الهيمنة الغربية السائدة إلى حدود الساعة، إذن فالشرق والغرب يقفان في مفترق الطرق؛ فالمغرب يستورد التطور بما فيه التقنية، ومنه استيراد الفكر الغربي وهذه هي الهوية العمياء. لقد انطلق "الخطيبي" من المغرب ليشمل "العالم العربي" ومن هنا يأتي حديثه عن تخلفه وتراجعه.


لقد تحدث الخطيبي –حسب الأستاذ البشير- عن المسلم الذي لا يعترف بخطئه، وعن العقيدة الدينية باعتبارها سلاحا، كما انتقل إلى القضية العربية الإسرائيلية، من خلال تطرقه إلى العديد من الحروب والصراعات، محاولا فضح الانتهاكات الصهيونية أمام فرنسا الداعمة لها، كما أنه يناقش "سارتر" الذي له مواقف مشجعة ضد الصهيونية رغم أنه باطنيا متضامن معها.

الأستاذ "عثمان لكعشمي" في مداخلة ثالثة خلال هذا اللقاء، أشار إلى أن كتابات الخطيبي لم تحظى بالاهتمام الكافي من طرف السوسيولوجيين والباحثين، حتى أن بعض النقاد لا يعتبرونه سوسيولوجيا، وذلك لأنه يتعذر عليهم فهم سوسيولوجية "الخطيبي" ومرد ذلك إلى كون كتاباته انسيابية، لا تنتمي لحقل واحد. وفي مقابل الاهتمام الكبير الذي لقيه الخطيبي من طرف الكتاب، هناك اهتمام أقل من طرف الفلاسفة، ونلاحظ ذلك من خلال غياب تام لأي رصد "سوسيولوجي" للخطيبي.


لقد عمل "الخطيبي"، حسب الأستاذ عثمان، على تفكيك العديد من القضايا العربية، وسوسيولوجية العالم العربي، أي الانطلاق من تفكيك العالم العربي إلى تفكيك "سوسيولوجياه". إن التفكيك ليس حركة سلبية بل هو فعالية، هو تفكيك للبنيات وكتابة ثانية لمسألة الوجود والمعنى، وهذا ما يجعله متميزا عن "الشك" و "النقد"، وهذا الأخير استراتيجية تسعى أساسا إلى طمس "العالم العربي".

كما أشار الأستاذ "عثمان" إلى أن الخطيبي هو مفكر للهامش بالدرجة الأولى.

يتميز "الخطيبي" بخاصية "النقد" –حسب الأستاذ محمد البوقيدي في مداخلة رابعة خلال هذا اللقاء-، وهي خاصية يشترك معه فيها "بول باسكون" و "عبدالله العروي" و "علي أومليل"، لقد شكل "النقد" مدار أعمال هؤلاء جميعا، مما جعلهم يؤسسون لمدرسة نقدية حديثة لم تحد عنها الأجيال اللاحقة للمثقفين.


ركزت مداخلة الأستاذ "البوقيدي" على السياق التاريخي لانتاجات المفكرين المغاربة ومن بينهم "الخطيبي" طبعا، فالعرب بشكل عام بدأ وعيهم بتأخرهم وانحطاطهم بعد حملة نابليون على مصر، ومن تم ظهر لدينا "المصلحون" و "النهضويون"، وكان السؤال المحرك "كيف يمكن اللحاق بركب البلدان المتقدمة؟" أي الاشتغال وفق جدلية "التقدم والتأخر"، بعد ذلك جاءت أجيال أخرى من المفكرين والباحثين ظل السؤال المحدد هو لماذا تقدم الغرب، ولكن المنطلق هو نمط قراءة "التراث"، حيث تم الوعي بأن هناك مسلسل تاريخي ينبغي القيام بتفكيكه وتحليله، كما أن وعيا آخر بدأ بالتشكل يقوم على أن "العالم العربي عالم متعدد، لا يمكن أن يشكل في حد ذاته وحدة أو كلا متماسكا"، من هذا المنطلق جاء المشروع الفكري للراحل "عبدالكبير الخطيبي" من أجل اعتماد "نقد مزدوج"، والقضاء على الأيديولوجية التي تقول بالأصل والوحدة، ومن هنا أعلن الخطيبي انفصاله عن أشكال الخطاب التالية:

-التراثية – السلفية – العقلانية: من خلال نقد الحداثة الغربية، ذلك أن مآسي كثيرة ترتبت عن اعتماد مخرجاتها، فالخطيبي يقول "تعلمت السوسيولوجيا في أزقة باريس وفي الهامش وليس في السوربون العتيقة". كما أن الخطيبي تجاوز كذلك "النزعة التاريخانية" وأتاح الفرصة لفكر يتمسك بالاختلاف.

يعتبر الخطيبي –حسب الأستاذ البوقيدي- أول من اهتم بالثقافة الشعبية في ظل تهميشها من طرف الثقافة العالمة، كما اهتم بالجسد، ووظف مجموعة من المفاهيم  ك "الوعي الشقي"، "الوحدة العمياء". كما أن "الخطيبي" لا يميز بين ما هو "سوسيولوجي" وبين ما هو "أدبي"، فالنقد المزدوج حاضر في "الذاكرة الموشومة".


 

اختتمت أشغال اللقاء الأول من الدورة الثالثة لمشروع "إضاءات حول مشاريع فكرية مغربية" بتقديم كتاب الدورة الأولى الصادر عن مركز مدى والذي يضم الأعمال المشاركة في قراءة المشروع الفكري للراحل "محمد عابد الجابري"، كما تم تكريم مجموعة من الشخصيات المواكبة لمشروع إضاءات والمتحمسة لاستمراريته، ثم وصلة موسيقية من أداء الشاب "رياض النيدر".


 



شاركو بتعليقاتكم
*المرجو ملئ جميع الخانات و الحقول الإلزامية المشار إليها بـ

* الإسم
* عنوان التعليق
* الدولة
* التعليق




شاهد أيضا