أضيف في 3 أكتوبر 2017 الساعة 14:44

الاختيارات الاستراتيجية للمغرب: هل تكون إفريقيا بديلا عن الاتحاد المغاربي؟


أكد الأستاذ ادريس لكريني أستاذ القانون والعلاقات الدوليين في بداية مداخلته على أن اليوم هو عصر التكتلات بامتياز، ولا يمكن لأية دولة أن تحظى بمكانة لائقة بها في غياب انخراطها في تكتل. كما أكد أن الدستور المغربي يدعم انفتاح المغرب على محيطه الإقليمي والإسلامي، كما أن السياسة الخارجية المغربية شهدت قدرا كبيرا من الدينامية في السنوات الأخيرة، واتجهت في تعزيز التعاون جنوب-جنوب. وتتميز السياسة الخارجية المغربية بالدقة والوضوح في التوجهات والاستراتيجيات.  ويرى الأستاذ لكريني رئيس منظمة العمل المغاربي على أن المنطقة المغاربية تحظى بموقع استراتيجي يجعلها في تفاعل مستمر مع الدينامية العالمية والمستجدات الإقليمية، حيث تعرف تواجدا لمحيط ملتهب وتحديات مختلفة يفرضها موقعها الممتد مع دول الساحل والصحراء الإفريقية.


أشار الأستاذ لكريني إلى أن البناء المغاربي ليس خيار اليوم، بل هو معطى تاريخي، والتأسيس جاء ثمرة لمجموعة من المبادرات التاريخية منذ ما قبل استقلال جميع الأقطار المشكلة له، وقد خلق تأسيسه آمالا كبيرة في المنطقة المغاربية. غير أن ما أعاق الاستمرارية هو غياب مشروع اقتصادي واضح المعالم، ودخول بعض الأقطار في أزمات (العشرية السوداء بالجزائر، الانقلابات بموريتانيا، وأزمة لوكربي بليبيا)، كما أن هذا الاتحاد يعرف غياب أرضية ديمقراطية. فرغم أن الاتحاد المغاربي اجتمع له ما لم يجتمع للاتحاد الأوروبي من مقومات، غير أن هذا الأخير عزز البناء الديمقراطي لمجموعة من الدول المنضمة له، وأذاب الخلافات فيما بينها لأن أساسه هو استحضار الجانب الاقتصادي أولا.

بخصوص الامتداد الافريقي للمغرب، يرى الأستاذ لكريني أن انسحاب المغرب من منظمة الاتحاد الافريقي كان نتيجة خطأ تاريخي سقطت فيه هذه المنظمة، وذلك بقبول عضوية "جمهورية الوهم". غير أن هذا الانسحاب –في نظره- لم يعزل المغرب عن محيطه الافريقي، بل عمل المغرب على تعزيز تواجده خصوصا في السنوات الأخيرة. وقد نهج المغرب سياسة التعاون جنوب –جنوب، التي تجعل الطرفين رابحين. وطلب المغرب اليوم العودة إلى المنظمة يأتي في ظروف مختلفة، حيث هناك تطورات في الموقف المغربي (مشروع الحكم الذاتي، الدينامية الداخلية)، وبهذا سيقطع المغرب مع الصوت الوحيد الذي ظل يتردد في المنظمة. ويرى الأستاذ لكريني بأن عودة المغرب ليست رهانا مغربيا فقط، بل رهان إفريقيا، حيث أن هذا سيعزز وحدة الصف الافريقي، وتقاسم التجارب التي راكمها المغرب في عديد المجالات. وأكد الأستاذ إدريس لكريني في ختام مداخلته على أن المطلوب من التكتل الإفريقي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والمحافظة على العلاقات الديبلوماسية. كما أن قبول عضو لا تتوفر فيه شروط الدولة يجر على المنطقة وبالا ويفتح الباب أمام انحرافات في إفريقيا كلها.

المداخلة الثانية للأستاذ عبدالعالي حور أستاذ القانون العام بمركز التوجيه والتخطيط التربوي، والمتخصص في الأمن الإنساني بمنطقة غرب المتوسط. حيث أشار في البداية إلى أن المغرب يعدد وينوع من شركائه، ولا يولي وجهه شطرا واحدا، كما أن المغرب يطمح أن يكون منصة إقليمية موجهة لإفريقيا، تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال، ونقل تجاربه المتراكمة في الإصلاح الديني والمجال الأمني. وليس خافيا أن صورة المغرب لدى إفريقيا أصبحت تشكل نموذجا يحتذى به. ولا شك بأن المغرب أصبح يقود حركات التحرر في إفريقيا من التبعية للخارج.


تتقاطع مداخلة الأستاذ "حور" مع المداخلة السابقة في كون الدستور المغربي حدد التوجهات الكبرى للسياسة الخارجية، وأكد على أن إفريقيا لا يمكن أن تكون بديلا أبدا عن الاتحاد المغربي وذلك بمنطوق الدستور.

اعتمد الأستاذ عبدالعالي حور في مداخلته ثلاثة محاور، حيث تحدث حول رهان الاستراتيجية المغربية، والأدوات التي يعتمدها المغرب في هذه الاستراتيجية، حيث أن المغرب يشتغل على الديبلوماسية الاقتصادية، والروحية، والاجتماعية. فالعديد من الدول الإفريقية أصبحت تحقق نسب عالية من النمو في العالم، والقارة الإفريقية هي التي ظلت بمنأى عن الأزمة الاقتصادية، كما أن هذه القارة تتميز بأكبر مستودع للمياه في العالم. على المستوى الاجتماعي المغرب اليوم يقوم بتسوية وضعية المهاجرين المستقرين على أراضيه. كما أن المغرب بجهود كبيرة لنشر قيم الإسلام الوسطي عبر تأسيس معهد محمد السادس، وهيئة علماء إفريقيا. ويواجه المغرب تحديا على مستوى هذه القارة، يتمثل في مواجهة العداء الذي تكنه بعض الدول لوحدته التراتبية.

الأستاذ المختار بنعبدلاوي المدير المؤسس لمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية –مدى- ومنسق المنتدى المغاربي الذي ينظمه المركز، أكد في بداية مداخلته، على أنه لا يمكن أن نكون بين خيار الاتحاد المغاربي والتكتل الإفريقي، وهذا سيكون كمن يخيرك بين المشي بالرجل اليمنى أو اليسرى. لكنه في المقابل أشار إلى أن لكل أمر مقدمات، ومن بين الأساسيات التي لا يجب أن نغفل عنها في هذا الموضوع، هو كون المغرب لا يمتلك الإمكانيات التي تسمح له بنهج سياسة استثمارية في القارة الإفريقية، ويدخل مجال التنافس مع قوى كانت موجودة داخلها. ومن هنا فإن المدخل نحو إفريقيا يجب أن يكون على أرضية مغاربية. وبخصوص الاتحاد المغاربي، فإن المشكل الحقيقي اليوم هو بين المغرب والجزائر، وكانت ليبيا في وقت سابق، لكنه اليوم ثنائي بالأساس، ولا يهم كامل المنطقة المغاربية.


تميزت مداخلة الأستاذ بنعبدلاوي بغوصها التاريخي في العوامل وراء هذا التنافر بين مكونات مغاربية، حيث أشار إلى الحساسيات المسكوت عنها في اللاشعور الشعبي و التي تعود إلى الاحتلال الفرنسي للجزائر، وإحساس الجزائريين بتخلي المغرب عنهم وعدم مد المساعدة للأمير عبدالقادر، في حين أن التحدي الذي كان يواجه المغرب لحظتها هو كونه مهددا من طرف الاستعمار. غير أن علماء فاس كانوا متضامنين ومؤيدين لإبقاء الدعم للأمير عبدالقادر مهما يكن. والمغاربة في ذلك الوقت وفي أوقات لاحقة لم يميزوا أبدا بين المغرب والجزائر، ذلك أن عددا من النخب الحاكمة والمسؤولة في أوقات لاحقة كلها كبرت وترعرعت ودرست بالمغرب. ولا يمكن نهائيا أن نغفل عن حقيقة تاريخية وهي أن عبدالكريم الخطابي قام بتأسيس جيش التحرير المغاربي من منفاه بالقاهرة.

من بين الإشكاليات الأساسية التي ساهمت في تقويض الثقة بين الجزائر والمغرب وأجهضت أية إمكانية لإستراتيجية البناء المغاربي، هناك حرب الرمال وإعطاء الأولوية للحس الأمني على الحس السياسي. ثم حادث مراكش سنة 1994 الذي كان من أهم أسباب إغلاق الحدود بعد 48 ساعة وفرض التأشيرة على الجزائريين حتى قبل التحقيق وتحديد المسؤوليات.

هذا إلى جانب اعتبارات متعددة لم تسمح بتكتل إقليمي، حيث تم التركيز دائما على الصراع وتغييب الانسجام والتكامل.


 



شاركو بتعليقاتكم
*المرجو ملئ جميع الخانات و الحقول الإلزامية المشار إليها بـ

* الإسم
* عنوان التعليق
* الدولة
* التعليق




شاهد أيضا