أضيف في 4 يوليوز 2017 الساعة 17:36

همس الآلهة


لمن تهمس الألهة في المجموعة القصصية للكاتب المغربي محمد شويكة ؟ أو لمن تهمس ألهته الأيونية ؟ من هي هاته الألهة التي تهمس و تفذفذ حسب تعبيره ؟ هل لكل واحد منا اليوم ألهته المعبودة أو المبجلة ؟ في هاته المجموعة نقرأ عن إله الإستعراض..و إله الأنترنيث..إله المرض الخبيث..و إله الصحون المقعرة..و إله الكرة المستديرة..و إله المكياج...و إله الخميرة..

لا يتعلق الأمر بألهة قادمة من الحظارات القديمة كاليونان و الرومان و قرطاج..و لا من الأساطير ما بين النهرين أو الألهة التي ذكرت عند الوثنيين بالتوراة،ألهة محمد شويكة ليست من السماء و إنما ألهة نعيش معها و نقابلها يوميا في حياتنا..صنعناها في غفلة منا كما صنع العرب القدماء ألهتم من الثمر،ولما يجوعوا يلتهمُونها...ألم يقل كزينوفان أن "الناس خلقو الألهة على صورتهم" مستوحياً ما قاله من سفر التكوين،فهذه الألهة التي أراد أن يعرفنا بها الكاتب لا تلزمنا بطقوس و لكننا مُلتزمُون بطقوس خاصة تجاهها..
هكذا توغل بنا نصوص هذه الأضمومة القصصية في عالم الألهة الجدد التي تسيطر على كيانات الأفراد و الجماعات..تختفي خلف الممارسات اليومية تتمظهر عبر ميل الإنسان اللامتناهي تجاه كل ما هو ميتافيزيقي..و يتداخل الروحي بالمادي،و الملموس بالمجرد بين تضاعيف هذه المجموعة القصصية،و يستبعد السرد القصصي الطاقة الكامنة في روح الميتولوجيا كي ينفلت من عقال الأسطورة ليصنع متعة القصة القصيرة التي عبرها يسعى القاص إلى الإمساك بجملة من التفاصيل التي أضحت تسم حياتنا الراهنة..لكل إله حكاية..و لكل إله صوت..تتداخل الحكايات و الأصوات في "همس الألهة"،فتصير القصة عبارة عن صراع بين أصوات صاعدة و أخرى أيلة للأفول،فالهَمْسَ هنا ليس هَمْسَ الشياطين،بل همْسَ خفيف لأيونات لم تأتي من السماء و لا من الأرض،بل الإنسان هو الذي أتى بها من تجربته و من احتياجاته.
فبهذا الزخم تتكلم هذه المجموعة القصصية للقاص محمد شويكة..فقد جاءت المجموعة القصصية في 67 صفحة تحكي عن سبعة ألهة نشتغل معها أو تشتغل معنا يومياً من كرة القدم إلى التلفزيون،و الكمبيوتر و مواد التجميل للنساء و عجين الخبر عند أمهاتنا و جداتنا..فالإله "إلكترونوس" (ص 5 - 13) مهمته توضيح الصور و الكتابات و إرسالها لمن نريد،و هو عبارة عن شاشة مضيئة للكمبيوتر المحمول أو الموضوع بالمكاتب،نستعمل عبره الأنترنث و الفيسبوك و التويتر..و به أزرار من "سيليكوب cyclope" نراقب منها و تراقبنا،نرسل عبرها الأحاسيس و الإشارات،بل و نتكلم و نحن في وضعيات مختلفة،نذاعب بأصابعنا أزرار الكمبيوتر،فنتأمل الصور و نقرأ ما يكتبه الأصدقاء و الأغيار،فالإله قد يكون حبل غسيل إلكتروني،يعلق عليه بحب أو عدوانية (ص 5)،قد نضع بهذا الفضاء صور هي عبارة عن ظل لأشياء ملموسة أو غير ملموسة،و قد نضع بالفضاء البلوري صوراً مفبركة أو حقيقية لحيوانات و نباتات أو أبطال رياضيين..و أيضاً قد نضع بهذا الفضاء نصف إسم عربي و الأخر إفرنجي كما علق على ذلك أحدهم بالدارجة لفتاة وضعت إسمها بهذا الشكل فاتهمها بأنها "نصرانية بلا خبار سيدنا عيسى..(ص 7)،توضع بهذا الفضاء صور لظفر مصبوغ بالأحمر القاني،و توضع ألبومات لشباب لمن يريد قبول صداقته..إمرأة طائرة و أخرى على هيئة عروس البحر..شيء لا يصدق تقول الأضمومة القصصية (ص 8)،فهذا هو عالم الإله "إلكترونس".
هناك إله أخر ذكرته الأضمومة القصصية للكاتب عن إله إسمه "فيترينوس" (ص 15 - 23) إلاه الإستعراض الذي نراه عبر الزجاج،و في القصة الثالثة نقرأء عن الإله "باربلوس"،إله الصحون الهوائية المقعرة (ص 25 - 32)،فالبَرابًُلوسْ عبارة عن إله فوق العمارات و السطوح و النوافد بالمدن و بالقرى في البيوت،فهذا الإله يقبع دائماً عالياً و يعرفه العديد لأنه فوق الجميع،يتحمل تقلبات الفصول (ص 25)،شكله المقعر يساعد على الجمع و التركيز،و الإرسال و الإستقبال..فلاً يمكن أن نتصوراً يوماً بدون عمل هذا الإله في البيوت و القصور و السكن فوق السطوح،فهذا الإله مطرود من مجمع الألهة كما تقول الأضمومة القصصية،منذ أن كان مجرد دبدبة صغيرة في قارورة التكوين الإلهي (ص 26)،فقوة هذا الإله تتجاوز الحواجز و المتاريس و هو الوحيد الذي يخترق الأجسام،لكي يوصل الرسالة لمن يهمه الأمر،و هذا الإله يعكس الشاشات التي هي مجرد مراحيض يدع فيها البشر قاذوراتهم البصرية (ص 29)،هذا بإختصار هو الإله "بَرابًُلوسْ".
في القصة الرابعة يتحدث السارد محمد شويكة عن إله إسمه "عُضَالُوسْ"،و يوصي أصحاب الأحاسيس الرقيقة بعدم قراءة هذه الأضمومة القصصية،فعُظالوس (ص 33 - 40) عند الكاتب يجسد الأسقام و الأمراض الفتاكة التي تتسلط على الجسد،و تسري في المسام،و تحتل كل أنْويًَة خلوية..ف"عُظاَلوُس" إله بلا مجد إله لاعين،ينتشر في الجسد يسرطن الخلاياً،و هو داء يسري في الجسد و يقضي على إرادة الحياة.
و فيما بعد تروي لنا هاته المجموعة القصصية،أضمومة عن الإله "كُرَتُوسْ:،أي الكرة الدائرية المعروفة بكرة القدم،التي خلبتَ لب العقول من الشباب و الكهول،و أصبحت لها شعبية تضاهي الملوك و الرؤساء و السياسيين..فهاته الكرة المستديرة يتقاذفها الأطفال،قد تكون مصنوعة من القش في الأدغال..أو من البلاستيك و الجلد،تُلعب في وسط الشوارع المأهولة أو الملاعب المخصصة لكرة القدم،فهذه الكرة ليست شبيهة بكرة الثور الأسطوري التي حملها على رأسه،و الذي أصبح مسؤولاً عن زحزحة الأرض..و ليست ككرة الإله أطلس الذي حمل كرة حجرية ضخمة على كتفه حتى برز عضوه التناسلي من كثرة الضغط،فلهذا الإله مشجعين و تنظيمات من أصناف "الألتراس ULTRAS"، و "الهوليكانز HOOLIGANS"،فهذه بمتابة جمعيات المحبين و المشجعين أو المساندين،فهذا الإله شيءُُُ مُكَوًَرً تلهث خلفه كائنات مكورة،أخرورن يملئون المدرجات صفيرا و هتافا و بكاء..حشود تُعايشُ تَرَبًَصَات اللاهتين خلف الكرة،و أخرى تتابع في كل أنحاء العَالَم ما يحدث،جمهور يدعو،يسجد،يتمنى،يترجى..و جمهورُُ يمارس شتى فنون السحر الأسود (ص 44).
هناك إله أيضاً إسمه عجيب غريب "خَميرُوتُوسْ" (ص 51 - 58) بهذه الأضمومة القصصية للكاتب المغربي محمد شويكة،ربما تحكي عن علاقة السارد بالخميرة الإلهة المُرباَت باللسان الدارج المغربي،و التي نعرفها بخبز أمهاتنا..

 



شاركو بتعليقاتكم
*المرجو ملئ جميع الخانات و الحقول الإلزامية المشار إليها بـ

* الإسم
* عنوان التعليق
* الدولة
* التعليق




شاهد أيضا