انت الآن تتصفح قسم : مجلة رهانات

مغرب ما بعد جائحة كوفيد19: التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية

تعتبر الفيروسات من الظواهر الطبيعية الدقيقة التي هددت الوجود الإنساني بشكل دائم، ما جعل الإنسان يطور لقاحات طبية قادرة على تقوية مناعته في مواجهة ما تأتي به الطبيعة، غير أن تطور الفيروسات وفق أشكال جديدة وفتاكة وضعت الإنسانية في حالة طوارئ دائمة من أجل التصدي لهذه الأوبئة. ويعد "فيروس "كوفيد" 19Covid- في الآونة الأخيرة تجليا واضحا لما يمكن أن تحدثه الظواهر الدقيقة من تهديد فعلي للإنسانية، حيث أصيب في المغرب لوحده ما يقرب من 4120  حالة، نجم عنها 162 وفاةإلى حدود 28 أبريل 2020.

ونظرا لاتساع دائرة فيروس كوفيد19 السريعة، فإنه تحول إلى جائحة على غرار الجوائح التي عرفها التاريخ المغربي. فقد عرف المغرب على امتداد تاريخه أوبئة خلفت تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية وخيمة، وكشفت عن أشكال تدبير المجتمع المغربي للجوائح الوبائية، وفي هذا السياق نورد انتشار وباء الكوليرا Choléraفي المغرب ما بين 1834 و1854 في المدن الكبرى، واجتياح المغرب وباء التيفوس Typhus مابين 1911 و1912 ، وبعدها بخمس سنوات انتشر الطاعون الرئوي Peste pulmonaire  الذي خلف مئات الضحايا في ربوع المغرب.

في علم الأوبئة  Epidémiologieيعتبر كوفيد 19 ضمن عائلة من الفيروسات التي تسبب أمراضا مصنفة بين الخطيرة والأقل خطورة، من بينها "متلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي تدعى "ميرس" MERS، والمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة المسماة "سارس" SARS، وهي فيروسات وبائية اجتاحت الإنسانية، وطورت لها لقاحات طبية للوقاية منها. غير أن الغموض العلمي مازال لحد الآن يلف فيروس كوفيد 19 الذي اتسعت دائرته بشكل فاق كل التوقعات.

ليس فيروس كوفيد19 مجرد وباء ويمضي، وتعود الحياة إلى سابق عهدها، ولكنه وباء مازالت تداعياته تشكل معالم مغرب آخر على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فإذا كان هذا الوباء قد استطاع أن يشل الاقتصاد المغربي ويكبده خسائر فادحة ويغرقه في ديون غير متوقعة، فإنه في الآن ذاته وضع الخريطة الجيوسياسية على المحك من خلال مؤشرات "التضامن الدولية"عقب اجتياح الوباء، إضافة إلى تداعياتها لاجتماعية التي اضطرت المجتمع المغربي إلى خوض تجربة "الحجر الصحي"، والرفع من "الوعي الصحي" للمغاربة كحل وحيد لمحاصرة انتشار فيروس كوفيد19.

بكل تأكيد وضعت جائحة كوفيد19 مفهوم الدولة على محك المساءلة أمام التحديات المتعلقة بالمسألة الاجتماعية في المغرب، وأعادت إلى الواجهة ضرورة الاهتمام بالدولة كفاعل محوري في القطاعات الحيوية. ومن هذا المنطلق نسعى إلى التفكير في مفهوم الدولة على ضوء التعاطي مع المسألة الاجتماعية، وكيف ساهمت الجائحة في إعادة تشكيل هذا التعاطي؟ولا ينفصل التفكير في الدولة عن مساءلة تجربة "الحجر الصحي" كتجربة اجتماعية كانت لها تبعات على العلاقات الاجتماعية وسلوك انضباط المغاربة للحجر الصحي، وفهم المحددات المتدخلة في أنماط "الوعي الصحي" لدى المجتمع المغربي.

ولا شك أن تأثير الجائحة على الجانب الاقتصادي أمر بدا واضحا منذ بداية الإجراءات التي قامت بها الدولة لمواجهتها، من إغلاق للخط الجوي، وتوقيف للعمل في معظم القطاعات الحيوية، ثم اضطرار الدولة إلى الاستدانة الخارجية لتوفير العملة الصعبة. نتيجة لذلك يظهر من اللازم مساءلة حدود تأثير الوباء على الاقتصادي المغربي، والتفكير بجدية في الإمكانات المتاحة والفرص التي يجب اقتناصها من أجل بناء اقتصاد وطني قوي، مستفيدا من تأثيرات هذه الجائحة في الاتجاه الإيجابي. وفي ظل الانكماش الاقتصادي، فإن هذه الجائحة وضعت الخريطة الجيوسياسية على المحك، وفتحت التفكير في طبيعة العلاقات الدولية للمغرب ما بعد الجائحة، وإمكانية تطوير نموذج سياسي يتمتع بالسيادة على جميع مجالاته الحيوية.

محاور ملف العدد :

-  التبعات الاجتماعية لجائحة كوفيد 19 على السلوك الفردي و الجماعي للمغاربة.

- تداعيات  جائحة كوفيد19 على العلاقات الدولية و السياسة الداخلية للمغرب.

- التبعات الاقتصادية لجائحة كوفيد19 على الاقتصاد المغربي و الفرص المتاحة.