ندوة : "الشباب وتحولات المجتمع المغربي"
نظم مركز الدراسات و الأبحاث الإنسانية - مدى بتنسيق مع شبكة الديمقراطيين في العالم العربي بالمغرب ندوة تحت عنوان "الشباب وتحولات المجتمع المغربي"، و ذلك يوم السبت 22 دجنبر 2012 على الساعة الثالثة زوالا. و قد عرفت هذه الندوة حضور مجموعة من الفعاليات الجمعوية و الشبابية و بعض الأساتذة الباحثين، الشيء الذي أغنى النقاش في موضوع الندوة التي أشرف على تسييرها الأستاذ عبد الرجاء لهديلي عضو مركز مدى حيث قدم كلمة ترحيبية بالحاضرين و الأساتذة المتدخلين و عناوين مداخلاتهم، و ذكر بالسياق العام الذي دعا إلى انعقاد هذه الندوة و الإشكاليات التي يطرحها موضوع الشباب و تحولات المجتمع المغربي.
المداخلة الأولى كانت للأستاذ حسام هاب، باحث في التاريخ الراهن، تحت عنوان: "الشباب وتحولاتالحقل السياسي المغربي: الأسئلة و الرهانات"، و قد بدأ الأستاذ حسام مداخلته بتقديم مدخل نظري أساسي، تناول فيه ثلاث أزمات يعاني منها الحقل السياسي المغربي، بدءا من الأزمة الثقافية و الإيديولوجية التي تتجسد في غياب الاجتهاد و التحليل الفكري، و غياب الأسئلة الكبرى حول الاختيارات السياسية و الإيديولوجية، و نفور المثقفين من العمل السياسي و الحزبي. أما الأزمة المؤسساتية فتتمثل في حالة التكلس التنظيمي، و غلبة حوار الأيادي و الإقصاء على حوار الأفكار و العقول و المشاريع، و غياب الديمقراطية الداخلية، و طغيان أسلوب الزبونية و جماعات الضغط داخل الأحزاب. لينتقل إلى الحديث عن الأزمة الأخلاقية حيث تحول الحقل السياسي من حقل للتنافس الشريف على التدبير العقلاني للشأن العام إلى حقل للزبونية و الولاء و شراء الذمم، و أصبحت الممارسة السياسية في الكثير من الأحيان مشروعا تجاريا للكسب و الإغتناء.
انطلاقا من هذا المدخل النظري حاول الأستاذ حسام أن يقدم الأسئلة التي تطرحها العلاقة بين الشباب و تحولات الحقل السياسي و تمظهراتها من خلال المعطيات الديمغرافية الخاصة بفئة الشباب، و مستواهم التعليمي، و إشكالية العزوف السياسي، و تجديد النخب السياسية، و عدم الثقة بين الشباب و الفاعلين في الحقل السياسي، و علاقة الشباب بقضايا الشأن العام، بالإضافة إلى دور الجامعة، و العلاقة بين التنمية و المشاركة السياسية للشباب، و النماذج الجديدة للفعل الاحتجاجي للشباب، و غياب استراتيجية واضحة للحقل السياسي فيما يتعلق بالمسألة الشبابية. و في نهاية مداخلته تناول الأستاذ حسام هاب رهانات العلاقة بين الشباب و تحولات الحقل السياسي بالمغرب، و ختم مداخلته بطرح سؤال جوهري هو: هل سيفسح الحقل السياسي للشباب ما يكفي من فضاءات التعبير و الاختلاف و الابتكار؟ حيث اعتبر أن هذا السؤال سيظل مرتبطا بمسار التحول الديمقراطي في المغرب لأنه لا ديمقراطية بدون وجود طيف من المؤسسات الوسائطية بين الشباب و مكونات الحقل السياسي.
أما المداخلة الثانية فكانت للأستاذ يوسف الكلاخي أستاذ باحث في الفلسفة، تحت عنوان: "واقع التدين لدى الشاب المغربي" حيث أكد في بداية مداخلته أن رصد الواقع الديني بالمغرب والكيفية التي يتعامل بها الشباب مع الدين، يقتضي التمييز بين مستويين من الفهم للدين، المستوى الأول؛ الدين بصفته نسقا يتضمن القيم العليا بما فيها من عقائد و تشريعات و منظومات تصورية، تشمل علاقة الإنسان بخالقه و بالكون و ببني جنسه، والمستوى الثاني هو التدين، ونقصد به أشكال ومختلف التعبيرات عن الدين، من خلال تفاعل الفرد مع المنظومة الدينية، وهذا التفاعل هو ما يتجسد في الواقع الاجتماعي، في إطار شبكة من العلاقات المعقدة والمركبة، سواء في تمثل الفرد لهذا الدين، أو لكيفية استلهامه داخل حيز اجتماعي معين.
ركز الأستاذ الكلاخي في مداخلته على المستوى الثاني حيث قارب واقع التدين لدى الشاب المغربي انطلاقا من مجموعة من التقارير. فمثلا اعتبر تقرير الإسلام اليومي 2007 أن الشباب المغربي اليوم أكثر تدينا من الجيل السابق، و فيما يخص المعرفة الدينية فإن 56.7% من الشباب يعتبرون بأن الجيل الحالي من الشباب يتوفرون على معرفة دينية أكثر من الأجيال السابقة، كما أن 36.6% من المستجوبون يعتبرون بأن معرفتهم الدينية أكبر من معرفة أبائهم. و قدم ذ- الكلاخي دراسة نشرت حول "الشباب والتدين في المغرب" أنجزها المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة (همت الشباب المتراوحة أعمارهم مابين 15 و35 سنة في 12 جهة) حيث أبرزت هذه الدراسة بروز معطيات جديدة تخص طبيعة التدين لدى الشباب المغربي، أبرزها:
أولا: أن الدين يشكل معطى أساسيا في تحديد هوية الشباب المغربي.
ثانيا: ضعف التأطير الديني الرسمي الموجه لشريحة الشباب.
ثالثا: محدودية التأطير المدني الذي يستهدف الشباب.
رابعا: وجود توتر حاصل بين جانب المعتقد لدى الشباب والتمثلات وجانب الممارسات السلوكية.
خامسا: هناك شبه إجماع على استنكار الظواهر المصادمة للشعور الديني.
سادسا: دور القرآن هي المؤسسة الدينية غير الرسمية الأكثر حيازة لثقة الشباب
و ختم الأستاذ يوسف الكلاخي مداخلته بالخلاصات التالية:
ـ تنامي القناعة بدور مؤثر للدين في الحياة العامة للمغاربة، وتعبير جلي عن الدين كمحدد هوياتي مركزي
- ينبثق الدين من واقع اجتماعي ـ اقتصادي ـ تاريخي شديد التعقيد ويتطور بتطور هذا الواقع.
ـ يتصل الدين بالمؤسسات والبنى الاجتماعية الأخرى (العائلة والطبقات الاجتماعية والمؤسسات السياسية وغيرها) اتصالا عضويا وتداخليا وتفاعليا فيكون فاعلا منفعلا، مغيرا متغيرا في آن معا.
ـ يقوم الدين بوظائف محددة ويلبي حاجات ظاهرة وخفية، قد تكون توظيفاته ـ كما يفسر ويعاش ويمارس في الحياة اليومية ـ إيجابية أو سلبية. وكثيرا ما تكون التأويلات الدينية متنوعة بل ومتناقضة.
و في السياق نفسه و في إطار الحديث عن الشباب و علاقته بتحولات المجتمع المغربي، تناولت المداخلة الأخيرة للأستاذ زكريا أكضيض باحث في علم الاجتماع، و المعنونة بـ"الشباب و التعابير الفنية"،مختلف الطرق التي أصبح الشباب يعبر بها عن موقفه السياسي، معتبرا الحقل الفني فضاءا مهما لتصريف المواقف السياسية، و أمام هذا الفضاء يغيب الإدعاء القائل بأن الشباب عازف عن السياسة، ذلك أن الحقل الفني الشبابي في نظره يقدم إبداعات خلاقة تكشف بشكل جلي عن المواقف السياسية للشباب، و يكون الفضاء الافتراضي في البداية بوابة مناسبة لتصريف هذا المواقف، مستحضرا في هذا الإطار مثال "حركة نايضة"، و بعض الفنانين الذين تلقفوا هذه التجربة بشكل فردي( الحاقد، رشيد غلام...)، معتبرا في الأخير أن الإهتمام بالفن قد أضفى على مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالحقلالسياسي صبغة جديدة.