ندوة "الحركة السلفية بالمغرب: النشأة، التأثير والحضور"
نظم مركز الأبحاث والدراسات الانسانية-مدى- ندوة تحت عنوان"الحركة السلفية بالمغرب: النشأة، التأثير والحضور" وذلك يوم السبت 24 نونبر 2012 ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال. الندوة كانت من تسيير الأستاذ محمد الغيلاني، الذي افتتحها بالترحيب بالحاضرين وتقديم المشاركين بالمداخلات في هذه الندوة.
المداخلة الأولى كانت للأستاذ منتصر حمادة تحت عنوان:"الحقل الديني بالمغرب وتحدي التيار السلفي"، وقد بدأ الأستاذ منتصر مداخلته بالإشارة إلى تعريف السلفية المبسط والذي يحددها في "اتباع السلف الصالح"، مشيرا إلى أن السلفية جاءت في إطار ما يمكن أن نسميه التبادل مشرق/مغرب، فالمغرب كان يسمى بلاد الأولياء في مقابل المشرق الذي كان يسمى بلاد الأولياء، لكن هناك تصدير للأولياء إلى المشرق ودلالة ذلك أضرحة الأولياء المغاربة بالمشرق.
خلال مداخلته أشار الأستاذ منتصر حمادة إلى أن الخطاب الرسمي المغربي يعتبر العقيدة المغربية ما أسس له ابن عاشر، والمتمثلة في المذهب المالكي والتدين التقليدي الطرقي، غير أن استيراد التيار السلفي من المشرق العربي تم لاعتبارات أمنية طبعتها مرحلة أواخر السبعينات في ظل التواجد اليساري والثورة الإيرانية. ليخلص الأستاذ منتصر حمادة بتوقع عمر مديد للتيار السلفي بالمغرب، وذلك في ظل أزمات التعليم والاقتصاد وغيرها، بالإضافة إلى كون أحداث الربيع العربي أعادتنا إلى نقطة الصفر من الاصلاح وبالتالي تجديد النقاش حول ما الحل؟ وهل التيار الاسلامي هو الحل أم المشكلة؟.
بعد ذلك انتقلنا مع أحد ممثلي التيار السلفي بالمغرب ليحدثنا عن السلفية بالمغرب،الآن. الشيخ محمد الفيزازي الذي قطع منذ البداية مع كل الانتظارات التي يحملها الحاضرون بالقول إنه هنا لا يتحدث باعتباره شيخ السلفية الجهادية التي ألصقتها به عنوة جهات معينة سواء كانت إعلامية أم أمنية، وهو ليس شيخ السلفية حتى، ولا يعتبر نفسه إسلاميا قطعا بل هو مسلم ويعبر عن نفسه وكفى ذلك أنه لم يعبر عن نفسه أبدا بكونه ممثلا لتيار معين، وعندما يحشر إنسان برغم أنفه في تيار فهذا دلالة على أن هناك شيئا يدور على غير ما يرام-على حد قول الشيخ الفيزازي-. يقول الشيخ الفيزازي بأنه لا يقبل قطعا بمصطلح "السلفية المغربية" أو "الإسلام المغربي"، هناك سلفيون بالمغرب ولا وجود قطعا لإسلام مغربي لأن الاسلام لا يسلع. إن ما يؤسس للسلفية تاريخيا حسب الشيخ الفيزازي، هو القرآن والسنة، إن الأرضية التي يجتمع عليها كل السلفيون هي "ومن يشاقق الرسول..." ثم الحديث النبوي الذي يؤكد على أفضلية قرنه والذي يليه ثم الذي يليه، لذلك-حسب الفيزازي-تجد السلفيون يتشددون في صغائر الأمور من اللباس والشرب والأكل..
..
ثم أكد الشيخ الفيزازي بأنه لا يوجد في المغرب تنظيم سلفي بإمارة أو مجلس، ولو كان موجودا لكان رقما صعبا في المعادلة، لأن المغاربة سلفيون ويعتبر الشيخ الفيزازي بأن كل من حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية سلفيون. كما تحدث الشيخ الفيزازي عن الرافضين للإسلام والذين يعتبرون قلة قليلة جدا في المجتمع المغربي وهذا حقهم لكن ليس من حقهم استفزاز 30 مليون مغربي-حسبه دائما- ولا يمكن للشذوذ العقدي والسلوكي أن يكونا مشروعا سياسيا واجتماعيا . ليفتح النقاش على سؤال مهم من باب مجادلة من يفرضون رأيهم على حد تعبيره:"فقه الإمام مالك على الرأس والعين، وما هو العيب في عقيدته".
الشيخ محمد عبدالوهاب رفيقي-أبو حفص- اختار أن يغرد بعيدا قليلا عن سرب الشيخ الفيزازي لأنه لا يتفق معه بخصوص مسألة الاسلام والسلفية التي أشار إليها آنفا، وأكد أن السلفية تيارات ولكل تيارات قناعاته التي تنطلق من فهم معين للإسلام، وكأن أبو حفص يريد أن يقول بأن هناك إسلامات انطلاقا من هذا الفهم المتعدد الذي يختلف من سلفية لأخرى ناهيك عن تعدد الفرق الاسلامية.
ولكي يؤكد هذا الطرح عرج على التاريخ المغربي انطلاقا من دخول الاسلام الذي جاء مع المولى إدريس الذي يعتبر من الزيديين المتخلفين الذين يؤمنون بالسيف على الحاكم، لكن يعتبر بأن الاسلام جاء إلى المغرب مع الصحابة في بداية الأمر لكن بشكل أكبر في فترة بني أمية حيث انتحل المغاربة المذهب الخارجي ثم يمر على دولة المرابطين التي تأسست على مذهب أهل المدينة وكانت بعض ممارساتهم متشددة ومنها إحراقهم لكتاب إحياء علوم الدين بحجة احتوائه على علم الكلام والتصوف ثم مرورا بالكثير من الطرق الصوفية التي اختلفت ممارستها ومنطلقاتها حيث يقول بأن الزاويتين الدلائية والناصرية حاربتا البدع وناصرتا السلفية وكانتا أقرب إليها منها إلى الصوفية..ويذكر الشيخ أبو حفص بأن السلطان المولى سليمان أرسل إلى الوهابية يهنؤها بقيامها في الحجاز.
وبعد التعريج على مراحل كثيرة من تاريخ المغرب والاختيارات المختلفة التي حكمت المغاربة بخصوص العقيدة والشريعة، تحدث عن الحركة الوطنية التي تعلن أنها سلفية لكن ضدا على الجمود الذي عرفته تلك المرحلة وانطلاقا من هذا تحدث عن الكثير من علماء السلفية الذين اختلفت رؤاهم وتعددت مذاهبهم ومنهم الشيخ محمد بن العربي العلوي ومحمد الهلالي ثم الشيخ زحل الذين انقسمت اختياراتهم التنظيمية. وقد ختم الشيخ أبو حفص مداخلته بمساءلة الكتابات الصحفية والأبحاث العلمية التي تصنف أشخاص معينين في تيار من التيارات سواء كانت السلفية أو غيرها، تساءل عن المعايير المعتمدة والحكم الذي تحتكم إليه في تصنيفها.
أما الأستاذ المختار بنعبدلاوي فقد اختار في مداخلته أن يؤكد أولا بأننا قد نختلف لكن نؤمن بأن لكل منا الحق في أن يفكر. هذا التفكير هو الذي يقودنا إلى الإدراك بأن اللغة ليست حاملا ثابتا ومباشرا للمعنى، فلا يمكن أن يكون هناك نفس المعنى في الماضي والحاضر، ولا يخفي هنا الأستاذ بنعبدلاوي انبهاره بكتابات سيد قطب والتي توحي منذ البداية بأن الاسلام كما قدمه سيد قطب لا يتقاطع مع الاسلام في الماضي، بالتالي فاللغة ليست مجمدا نفتحها ونجد نفس المعنى. طبيعي إذن أن تكون الإجابة مختلفة، وبالتالي فإشكالية تطبيق الشريعة التي تطرح بقوة عند التيارات السلفية تطرح بنفس الصعوبة التي تواجهنا بها إشكالية اللغة والمعنى. إن الإشكاليات التي تطرحها مسألة تطبيق الشريعة تتلخص فيما هو المقدس وما هو الثابت وكيف نتعامل مع آليات التطبيق.
وأشار الأستاذ المختار بنعبدلاوي في معرض مداخلته إلى أن العمل الحركي التنظيمي كان إلى فترة قريبة يعتبر بدعة، ولكن انخراط التيار السلفي في احتجاجات الربيع العربي غير الكثير من القناعات، حيث ظهرت احتجاجات على الاضطهاد والتضامن مع المعتقلين وبالتالي تنظيمها في أحزاب في كثير من الدول العربية ما يعتبر قطيعة مع الماضي والدخول في الحياة العامة وبالتالي فالديمقراطية التي كانت مدانة ومكفرة أصبحت واعدة بالثمار. وقد خلصت مداخلة الأستاذ بنعبدلاوي إلى الكثير من التساؤلات عن استعداد التيار السلفي الانفتاح على المجتمع المدني وهل لدى هذا الأخير الاستعداد لقبول هذا التيار والتحاور معه وفهمه. لأن الأهم حسب بنعبدلاوي هو أن يكون المغرب:"خيمة ظليلة تقبل جميع المغاربة باختلافهم".
مداخلات الحاضرين انصبت حول الكثير من القضايا التي يثيرها التيار السلفي مثل العودة إلى الاسلام والإشكالية التي تطرحها هذه المسألة إذ نحن في مجتمع مسلم، وكأننا في هذه القضية أمام تاريخ أكمل دورته ونحن في عصر جاهلي.
أكدت بعض المداخلات على أن هناك مفارقات في الخطاب السلفي"فما يضمره ليس هو ما يعبر عنه"، أما المذهب المالكي الذي اختاره المغرب الرسمي كمذهب وحيد لم يعد قادرا على الإجابة عن الكثير من الإشكاليات.
فيما فضلت مداخلات أخرى أن تشير إلى أن ما يجمد اللغة هي الدولة وليس السلفية وذلك باختيارها لمذهب وحيد دون الحياد عنه أو الاجتهاد فيه، وقد اتهمت الدولة بالهيمنة على الحقل الديني بنهجها لممارسات داخل المسجد لا "تمت للإسلام" من قبيل قراءة الحزب جماعة أو الدعاء بعد الصلاة الخ. وهناك إشارة في إحدى المداخلات التي ترد على مداخلة الاستاذ بنبعدلاوي بالقول إن تغير معنى الكلمة عبر الزمان يجعلنا ملتصقين بالنص وفهم الأولين لأنهم فهموه فهما صحيحا.